الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في مهرجان قرطاج : ليلة البحث عن مارسيل خليفة

نشر في  27 جويلية 2018  (17:50)

موسيقى تداعب الروح والأحاسيس .. رنين أوتار العود تنبعث في أرجاء المكان.. صمت يخيّم على مدارج المسرح الروماني يكسره فجأة صوت مارسيل خليفة " انا لا أملك من لغة الأنبياء سوى مفردة يتيمة .. كلمة حب .. أنتم الحب ..لكم كلّ الحب ".

وبرائعة محمود درويش "يا حادي العيس"، أهدى مارسيل أولى أغانيه الى أمهات الشهداء فغنى " يا حادي العيس سلِملي على أمي واحكيلها عاللي جرى واشكيلها همي. وقّلها إنو رحتِ وأخذتِ البهجة معاكِ. ومن يوم ودعتك وبعدو قلبي معاكِ. يا إمي" ..

كان يجلس كعادته محتضنا عوده، وعلى غير العادة كان مارسيل في هذا اللقاء القرطاجني مرفوقا بثنائي جديد على يمينه ابنه رامي خليفة على آلة البيانو وعلى يساره عازف الباتري ايموريك وسترنش .

"ماذا تغيّر في مارسيل؟" سؤال قفز الى ذهني وأنا استمع الى أغنية طالما رددناها ونحن صغار " كانت الحلواية ... واقفة على المراية ... تاري بالمراية عم يتخبى القمر  ..طلت الحلواية... وفتحت البرداية ... و يا غيم اللي جاي وين هوي القمر"، صوت آلة الباتري طغى فجأة على الكلمات لتختفي معه دندنات مارسيل الذي فسح المجال ـ على غير العادة أيضا ـ  للجمهور ليغني ويردد معه الأغنية .. ليلة استأثر فيها خليفة الابن بنصيب الأسد من السهرة ـ عزفا ـ ، مما جعلنا نبحث مطولا عن الأب عن مارسيل خليفة، الذي اكتفى وكما اشرنا باحتضان عوده واداء اغاني متقطعة. 

"التجديد مطلوب " .. "ما أجمل عزف ابنه " .. "مارسيل واكب العصر" .. "لا يمكن لمارسيل أن يدعو الى ثورة على الواقع دون أن تكون هناك ثورة في موسيقاه" .. هي عبارات التقطتها وأنا اتابع حفل مارسيل ضمن فعاليات الدورة 54 من مهرجان قرطاج الدولي، قد يكون التجديد مطلوبا لكن مع المحافظة على الهوية، وهذا ما بحثنا عنه لأكثر من ساعتين .. أين اختفت هوية مارسيل خليفة ؟ أين اختفت "ريتا" و"كما ينبت العشب" و"في البال أغنية" و"أحبك أكثر" و"اني اخترتك يا وطني" .. ريبرتوار حافل بروائع حفرت في الذاكرة لكنها غابت عن سهرة مارسيل، كما غابت عنها الآلات الموسيقية التي طالمت رافقت الفنان اللبناني في حفلاته السابقة من الكمان والقانون، ليحل محلها "الباتري" و"الأورغ"، والأهم أين اختفت أميمة الخليل و"عصفور طلّ من الشباك "  .

عزف مستمر، وأحيانا موسيقى صاخبة، يحاول في الأثناء مارسيل خليفة التدخل وانقاذ الموقف فيغني "منتصب القامة" و"بوليس الاشارة" و"جواز سفر" ، قبل أن يطأطئ رأسه من جديد ويحتضن عوده ـ الغائب الحاضر في هذا الحفل ـ ويفسح المجال لابنه، "لاستعراض عضلاته"  في العزف، قد لا نختلف في موهبة رامي خليفة، وعزفه الجيّد، لكن ما شاهدناه مساء الخميس 26 جويلية بالمسرح الروماني لم يكن حفلا غنائيا لمارسيل خليفة الذي تحولنا كما تحولت جحافل من البشر للاستمتاع بصوته وعزفه على العود، لقد تابعنا حفلين منفصلين أحدهما لمارسيل وأغانيه المتقطعة القديمة والجديدة والآخر لابنه، حيث بان بالكاشف أن هذا الأخير فرض رأيه وأحدث تغييرات جذرية لا فقط في هذا الحفل القرطاجني بل في مسيرة مارسيل برمتها .

وللأمانة نقول إن جمهور قرطاج كان وفيا لعاداته مع مارسيل خليفة فصمت وغنى وصفق متى طلب منه ذلك، جمهور اصطحب معه صورة "تشي غيفارا"  ولافتات عملاقة كتب عليها "الحرية لجورج ابراهيم عبد الله وأحمد سعدات وكل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني"، وتفاعل بشكل كبير  مع الأغنية الجديدة التي كتبها آدم فتحي لمارسيل بعنوان "غن لصباح جديد" والتي تتغنى بتونس وثورتها، في الأثناء هناك من الجمهور من غادر الحفل قبل نهايته حيث لم يحتمل الصخب والضجيج، وهو الذي تحول خصيصا الى المسرح الروماني من أجل عيون مارسيل.

ولم يقتصر التجديد في حفل مارسيل على الشكل فقط بل المضمون أيضا فاضافة الى أغنيته الجديدة التي اهداها الى تونس قدم مقطعا موسيقيا على غرار  "صرخة" التي أهداها إلى شهداء تونس و"روكليام" التي أهداها إلى "بيروت" وألقى قصيدة "آخر الليل" التي تفاعل معها جمهور قرطاج صمتا .

وفي لمسة وفاء  استحضر مارسيل الشاعرين الراحلين "محمود درويش" و"الصغير أولاد أحمد" وغنى رفقة رامي خليفة "عودوا أنى كنتم" ليختتم سهرته بجواز سفر وبحرية في توزيع جديد.

ختاما لا نسعنا أن نقول سوى أن العنوان الأبرز لسهرة الفنان الثائر، فنان الحب والمقاومة والسلام مارسيل خليفة  هو " حين يتلاعب الأبناء بمسيرة وهوية الآباء " ونهمس في اذن مارسيل " عد كما كنت" .

سناء الماجري